أولاً: تعريف الاستشعار عن بعد
هناك تعريفات عديدة للاستشعار عن بعد، وفيما يلي عرض لأهم أربعة من هذه التعريفات:
1. يقصد بالاستشعار عن بعد مجموع العمليات، التي تسمح بالحصول على معلومات عن شئ ما، دون أن يكون هناك اتصال مباشر بينه وبين جهاز التقاط هذه المعلومات.
.2 الاستشعار عن بعد هو ذلك العلم، الذي يستخدم خواص الموجات الكهرومغناطيسية المنعكسة، أو المنبعثة من الأشياء الأرضية، أو من الجو، أو من مياه البحر والمحيطات في التعرف عليها.
. 3. يمكن النظر إلى الاستشعار عن بعد على أنه: مجموعة الوسائل، من طائرات، أو أقمار صناعية، أو بالونات، وأجهزة التقاط البيانات، ومحطات الاستقبال، ومجموعة برامج معالجة البيانات المستقبلة، التي تسمح بفهم المواد والظواهر من طريق خواصها الطيفية.
4. .الاستشعار عن بعد: هو علم يمكن من الحصول على بيانات الانعكاس والسلوك الطيفي للأشياء، التي يمكن أن تتحول إلى معلومات من خلال عمليات المعالجة والاستقراء.
إذن فعبارة "الاستشعار عن بعد" تستعمل لتعني مجموعة المعطيات، التي نحصل عليها من مسافة معينة؛ ناتجة عن تفاعل طاقة الإشعاع الكهرومغناطيسي مع المادة، أو المظهر الذي ندرسه، والمقيس بإحدى وسائل أجهزة الاستشعار عن بعد.
إن هذه التعريفات - وإن كانت شمولية - فإنها على درجة كبيرة من التعقيد أحياناً، فما تتضمنه دراسة المواد والثروات الأرضية، التي ليست على بعد كبير من الأجهزة، يجعل استعمال عبارة "عن بعد" موضعاً للتساؤل أحياناً. كما يعتقد البعض أن الوسائط الأخرى المخالفة للطاقة الإشعاعية، كالصوت مثلاً، يجب أن تكون مشمولة بهذه التعريفات.
ثانياً: أنواع الاستشعار عن بعد
يمكن تصنيف الاستشعار عن بعد طبقاً لنوع البيانات المستقبلة إلى:
1. الاستشعار عن بعد الإيجابي Active Remote Sensing: وتكون البيانات المستقبلة فيه انعكاسات طيفية، حيث تقوم المنصات الحاملة لأجهزة الاستشعار بإرسال الموجات الكهرومغناطيسية إلى الأهداف المراد دراستها، فترتطم بها، وتنعكس لتستقبلها المستشعرات Sensors، التي تقوم بإرسالها إلى محطات الاستقبال الأرضية Ground Reception Stations.
2. الاستشعار عن بعد السلبي Passive Remote Sensing: وتكون البيانات المستقبلة فيه هي الانبعاث الطيفي من الأجسام، (اُنظر شكل التقاط الانبعاثات الطيفية).
ثالثاً: تقنيات الاستشعار عن بعد
تعتمد تقنيات الاستشعار عن بعد على حمل أنواع متعددة من المستشعرات Sensors، لتسجيل الظواهر المراد دراستها وقياسها، بناء على مفهوم؛ أن كل جسم يشع ويعكس مدى من الطاقة الكهرومغناطيسية، تكون غالباً في مجموعات متميزة، تسمى "بصمات طيفية" Spectral Signature، توضح معلومات عن خاصية معينة للجسم.
وعموماً، فإنه يمكن للإشعاع أن يبث من خلال الجسم، أو يمتص بواسطة الجسم، أو يشتت بواسطة الجسم، أو قد ينعكس الإشعاع، ويعني بذلك عودة الإشعاع دون تغيير، أي يكون الجسم في هذه الحالة مثل المرآة.
ويحدد اختيار أحد هذه التفاعلات السابقة طول الموجة لكل مادة، التي تعتمد أساساً على خصائص سطحها وجزيئات بنيتها، وهذه هي قواعد القياس بواسطة الاستشعار عن بعد. وجدير بالذكر أن للغلاف الجوي للأرض بعض المميزات الخاصة به، والمؤثرة في اختيار النطاقات الضوئية في الاستشعار.
وتختلف دقة كل جهاز استشعاري عن الآخر بدرجة التفريق (الوضوح (Resolution، التي يحققها في رصد الأهداف، ويعتمد ذلك على خواص كل مادة بالنسبة لعكس الأشعة الساقطة عليها، أو امتصاص هذه الأشعة، جزئيا أو كلياً.
رابعاً: آلية الاستشعار عن بعد
تتم آلية الاستشعار عن بعد على مراحل أربع:
1. جمع المعلومات بواسطة المستشعرات، وبثها إلى محطات الاستقبال الأرضية.
2. خضوع هذه المعلومات لمعالجة أولية وتصحيحات، ثم معالجة نهائية.
3. تفسير هذه المعطيات بعد تحويلها إلى صور.
4. استخدام الصور في رسم البيانات الدقيقة والخرائط، التي تخدم المجالات المختلفة.
خامساً: أجهزة الاستشعار عن بعد
فيمكن أن تكون آلة التصوير العادية أكثر الأشكال المألوفة لأجهزة الاستشعار عن بعد، إذ إنها مثل العين تماماً، تستخدم الضوء المنعكس من الجسم، والمار خلال عدسات مختلفة، إلى سطح حساس للضوء لتشكيل الصورة
1. المنصات الحاملة لأجهزة الاستشعار عن بعد
الغرض الأساسي من المنصات، التي تحمل أجهزة الاستشعار عن بعد، هو وضع هذه الأجهزة على ارتفاع معين من سطح الأرض. وتستخدم البالونات والطائرات في الاستشعار الجوي للحصول على صور جوية ذات مقاييس كبيرة ومتوسطة والبالونات قد تكون موجهة، أو غير موجهة، حيث يتوقف مسارها على الرياح.
والنوع الثالث من المنصات هو المركبات الفضائية، وهذا النوع من المنصات باهظ التكاليف، ويتطلب تكنولوجيا رفيعة المستوى.
وهذه المركبات نوعان:
أ. متحركة في مسارات Orbits حول الكرة الأرضية
ب.ثابتة Geostationary، وهي التي تتميز بتواجدها الدائم، في موضع ثابت بالنسبة للأرض، وبذا توفر ملاحظة دائمة ومستمرة لجزء ما من الكرة الأرضية.
2.أجهزة التقاط البيانات
أجهزة التقاط البيانات هي التي تستقبل الأشعة المنبعثة والمنعكسة، على أطوال موجية معينة، ثم تحولها إلى أشعة، ترسل إلى محطات استقبال أرضية
وتنقسم أجهزة التقاط بيانات الاستشعار عن بعد إلى الأنواع الرئيسية الآتية:
أ. أجهزة التصوير
ب. الرادار، وهو جهاز التقاط الاستشعار الموجب، حيث يتولى بث الأشعة، والتقاطها، وإرسالها إلى محطات الاستقبال الأرضية.
ج . وعادة ما تزود الأقمار بتلسكوبات ضخمة، تزيد من دقة التقاط الأشعة. والأقمار الفرنسية "سبوت" SPOT مزودة باثنين من هذه التلسكوبات، التي يزن كل منها 250 كجم، ويبلغ طوله مترين ونصف المتر، وبعد التقاط الصور بواسطة النظام البصري، يسقط الضوء على أجهزة الإحساس الضوئية، التي يتكون كل منها من 1000 خلية، تحول الإشارات الضوئية إلى إشارات كهربائية.
3. الأجهزة المستخدمة في دراسة البحار والمحيطات
وبعض أجهزة الاستشعار التي تحملها الأقمار الصناعية سلبية، مثل أجهزة قياس الإشعاع "الراديوميتر" Radiometer، وتتولى الكشف عن انبعاث الأشعة الطبيعية من البحر، أو ما يعكسه البحر من ضوء الشمس.
وهناك أجهزة استشعار أخرى إيجابية، تبعث موجاتها الرادارية خلال فتحة رادار اصطناعية Synthetic Aperature Radar: SAR، فتتولد صورة يوافق بريقها كمية الطاقة المنعكسة من سطح البحر في شكل موجات دقيقة. ويتحكم في توليد الصورة أحوال سطح البحر، ومدى اضطرابه، والحركة بوجه عام. والصور، التي يحصل عليها بالرادار، يمكنها أن تكشف التفاصيل عن بعض الخصائص، مثل الحركات النموذجية الداخلية، أو طبوغرافيا القاع، إلى عمق عدة أمتار.
ومن هذه الاجهزه المستخدمه في دراسه البحار والمحيطات هي
أ. جهاز قياس الارتفاع
بفضل قياس الارتفاعات، يمكن الكشف عن تنوع تيارات المحيط، على أساس إجمالي، كما يمكن قياس حجم الدوامات المحيطة، على مساحات شاسعة مضطربة، مثل دوامات بحار الجنوب.
وتسجيل وقت بث الموجة الرادارية في رحلتها من القمر الصناعي إلى البحر ووقت استقبالها، ودراسة شكل هذه الموجة عند رجوعها تعطي الأدلة على حالة اضطراب البحر. وعلى ذلك، فإن هذا الجهاز يتيح وسيلة لمراقبة ارتفاع الأمواج في كل الأوقات، وهو متغير له أهميته في الملاحة.
ب. مقياس التشتت
ومقياس التشتت Disperometer رادار يغطى مساحة أكثر اتساعاً. فالشدة المتوسطة للموجات الرادارية، هي مقياس لاضطراب البحر نتيجة لهبوب الرياح. ومن ثم، فإن طريقة الكشف هذه، تتيح وسيلة لقياس الريح، على سطح البحر في مساحات شاسعة، لا تعبرها السفن العادية، أو سفن الأرصاد الجوية. ويمكن تحسين التنبؤات الجوية بإدماج مثل هذه المعلومات بنماذج للتنبؤات الجوية.
وعلى الرغم من المشكلات، التي تسببها السحب، التي تغطي الجو، فإن أجهزة الاستشعار، التي تقيس الإشعاعات تحت الحمراء المنبعثة من البحر، تعطى صوراً لدرجة حرارة سطح البحر. ويستخدم علماء المحيطات هذه المعلومات لرصد الدوامات العنيفة في المحيط، أو الحدود بين الكتل المائية، التي تختلف درجات حرارتها.
وهناك العديد من الطرق، التي تستخدم الاستشعار عن بعد في مجال البحار والمحيطات؛ منها:
(1) التصوير الجوي: ويستخدم لدراسة تلوث مياه البحار والمحيطات ورسم حدود الشواطئ للبحار والمحيطات، وتحديد أشكالها.
(2) التصوير في مجالات ضوئية متعددة: ويستخدم في تحديد مواقع النباتات المائية وتوزيعها، ورسم الخرائط لأعماق المياه، ودراسة التيارات الحرارية وحركة المياه المصاحبة لها
(3) المسح الحراري: ويستخدم في التعرف على نظم التيارات الحرارية وانتشارها في الماء، وفي دراسة نوعية المياه وخصائصها الطبيعية، وتحديد أماكن بقع الزيوت الطافية على سطح الماء.
(4) المسح الراداري: ويستخدم في قياس الخصائص السطحية لمياه البحار والمحيطات، ودراسة أحوال الأمواج البحرية، وتحديد أماكن بقع الزيت ومناطق تعكر المياه، والمواد العالقة قرب السطح، ودراسة بعض الخواص الطبيعية للمياه ونوعيتها.
تحمل الأقمار الصناعية المخصصة لدراسة البحار والمحيطات أجهزة علمية لقياس ورصد وتصوير العناصر التالية:
1. سرعة الرياح. 2 . رسم التضاريس السطحية للمحيط.
3. قياس درجة حرارة السطح 4. قياس الموجات السطحية والعميقة للمحيط.
5. تحديد التيارات الرئيسية في المحيط 6. .رصد الدوامات المحيطية.
7. رصد وقياس حركة الثلج. 8. رصد ومتابعة البقع الزيتية.
9. رصد ومتابعة الثروة السمكية والحياة البحرية.
4. أجهزة تحليل البيانات ومعالجتها
وتتكون أجهزة تحليل ومعالجة البيانات من:
أ. حاسب آلي ذى ذاكرة كبيرة، لدرجة تمكنه من تخزين أكثر من صورة ودراستها
ب. الناسخة الكبيرة Plotter، وهي تستخدم لطبع الخرائط الناتجة من تقسيم البيانات الرقمية، التي تعرف بخرائط الانبعاث الطيفي المتعدد، المرسومة بالحاسب
ج. الناسخة الصغيرة، وهي مخصصة لطبع الأرقام، أو أي إحصائيات تجري على البيانات الرقمية، وكذلك تستخدم لطبع خرائط على ورق.
د. جهاز دراسة البيانات الرقمية وتحليلها، التي تحمل على أقراص، وهي تعمل مستقلة عن الحاسب الآلي
5 . أجهزة تحديد الموقع GPS
وتستخدم هذه الأجهزة في تحديد الإحداثيات لمناطق الفحص والدراسة الميدانية، التي حُددت بناء على دراسة الصور ومعالجتها. ومن هذه الأجهزة جهاز تحديد الموقع كونيا Global Positioning System: GPS، الذي يتصل بعدد حوالي 12 قمراً صناعياً، خاصة بتحديد الإحداثيات. وتتحقق القراءة الصحيحة بتوفر الاتصال بين الجهاز وأربعة أقمار صناعية على الأقل، وتختلف دقة الجهاز باختلاف نوعه.
والجدير بالذكر أنه عند التعامل مع الاستشعار عن بعد؛ فإن خط الصفر للإحداثيات الطولية هو خط جرينتش، وأما خط الصفر للإحداثيات العرضية فهو خط الاستواء، ووحدة قياس المسافة هي المتر.
سادساً: الاستشعار عن بعد باستخدام الموجات المتناهية القصر
تعتمد فكرة الاستشعار عن بعد باستخدام الموجات المتناهية القصر Microwaves، أو ما يسمى "الاستشعار الراداري"، على إرسال موجات كهرومغناطيسية في نطاقات معينة إلى الهدف المراد دراسته، ثم استقبال الموجات المنعكسة منه.
ونتيجة دور الرادار في إرسال هذه الموجات وعدم اعتماده على انبعاثات كهرومغناطيسية ذاتية من الجسم، كما هو الحال في الاستشعار السالب، فيعرف هذا النوع باسم "الاستشعار الموجب".
والرادار يلتقط الصور الجانبية، أو القطاعية. فالجهاز ذو النافذة التخليقية "سار" يرسل نبضات تجاه المنطقة المستهدفة، تم يتلقى الطاقة المنعكسة. ويعكس السطح الخشن طاقة إشعاعية أكثر من السطوح الناعمة، فسطوح الجبال، وتدفق الصخور المصهورة، على سبيل المثال، تبدو مصادر لامعة في صور الرادار.
وأهم مميزات استخدام الرادار في الاستشعار عن بعد هي:
أ. مرونة بيانات الرادار
صممت أجهزة الرادار المستخدمة في أغراض الاستشعار عن بعد بحيث يمكن التحكم في ميل الحزمة الرادارية على المحور العمودي على مستوى الأرض، بحيث تراوح هذه الزاوية بين صفر و60 درجة. وقد أدى ذلك إلى إمكانية المتابعة اليومية للظواهر الطبيعية، وعرفت هذه الميزة بالتعدد الزمني للتغطية، أو المتابعة لظاهرة ما، في أوقات نشاط تغييرات عالية، من خلال دراسات اكتشاف التغييرات.
ب. قدرة الرادار على اختراق السحب
يتميز الاستشعار الراداري بالقدرة على اختراق السحب، والضباب، والأمطار، والأتربة، والظلام. وهذا يؤدي إلى الالتقاط المستمر للصور الرادارية بالنهار والليل، على حد السواء، وتزداد أهمية هذه القدرة الاختراقية بالمناطق الاستوائية، والساحلية، والقطبية. وهذا الأمر لا يتوافر بالنسبة لأقمار الاستشعار الفضائي السالب.
ج. استمرار الحصول على البيانات الرادارية، والمتابعة شبه اللحظية للظواهر الديناميكية
وتكرار مرور القمر الصناعي، الحامل لأجهزة الرادار، فوق موقع ما بالكرة الأرضية، يفيد في الحصول على عدة صور كل يوم؛ ما يتيح المتابعة، شبه اللحظية. وفي الظروف العادية تختلف فترة ما بين الزيارات الرادارية باختلاف نوع الحزمة الرادارية، وبالتالي تختلف درجة التفريق، أيضاً.
د. إمكانية رؤية الموقع نفسه من اتجاهين مختلفين
يتيح الرادار الإمكانية لرؤية نفس الموقع من اتجاهين مختلفين، وبالتالي الحصول على صورتين لمنطقة ما، من اتجاهين متقابلين، الأمر الذي يساعد على الحصول على أكبر قدر من المعلومات.
هـ. القدرة الاندماجية للبيانات الرادارية مع بيانات أخرى
وهذه القدرة تظهر مزيداً من المعلومات الأرضية، فعند دمج البيانات الرادارية بالقياسات الجيوفيزيائية[[Geophysical Measurements تتوافر معلومات عن سطح الأرض، وما تحت سطح الأرض.
و. تعدد درجة التفريق
أدى تعدد درجة التفريق للبيانات الرادارية، واختلافها من 8 متر إلى 100 متر، إلى تعدد مقياس رسم الخرائط الناتجة بما يتناسب مع الغرض من الدراسة.